فصل: الإعجاز عند الرمّاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.الإعجاز عند الرمّاني:

ركز (الرماني) المتوفى سنة 382 هـ وكان معاصرا للخطابي على الجانب البلاغي في القرآن، واعتبر البلاغة من أهم مظاهر الإعجاز، وهناك علاقة بين البلاغة والتأثير النفسي، فالبلاغة ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي أداة لإيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ، وأورد (الرماني) الخصوصيات البلاغية في القرآن، كالإيجاز والتشبيه والاستعارة والتجانس والمبالغة والتعريف، وأورد شواهد من القرآن تؤكد عظمة الأسلوب البلاغي في القرآن، مبرزا جانب الإعجاز البلاغي...
وقال في ذلك:
(وجوه إعجاز القرآن تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة، والتحدي للكافة، والصرفة والبلاغة والإخبار عن الأمور المستقبلة ونقض العادة، وقياسه بكل معجزة)، ثم قال: (ونقض العادة هو أن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة، منها الشعر ومنها السجع ومنها الخطب ومنها الرسائل ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة، وتفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام).

.الإعجاز عند الباقلاني:

يعتبر القاضي أبو بكر الباقلاني- المتوفى سنة 403 هـ أول- من كتب كتابا في الإعجاز بطريقة مستقلة، وما كتب قبله كان في إطار بيان معاني الإعجاز في رسائل عامة أو مقدمات مؤلفات أو بيان.
وكتب كتابه (إعجاز القرآن) وهو من دعائم هذا العلم وأركانه، تحدث في بدايته عن المعجزة، وقرر أن القرآن هو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الكبرى، وهناك معجزات أخرى، ومعجزة القرآن هي معجزة تحدي، وليس الأمر كذلك بالنسبة للمعجزات الأخرى.
وكان القاضي (الباقلاني) إمام عصره، وحجة زمانه، له مؤلفات كثيرة، ويدور معظمها حول العقيدة والدفاع عن مذهب الأشاعرة، وله أسلوب متميز يقوم على أساس الحوار والنقاش وكان قوي الحجة واسع الثقافة، وعاش في فترة زمنية كانت المذاهب الفكرية متعددة ومتنافسة، وألف كتابه (إعجاز القرآن) في إطار دفاعه عن قوام الدين وعماد التوحيد وبرهان صدق النبوة.
واعتبر أن القرآن فارق حكمه حكم غيره من الكتب المنزلة على الأنبياء بأنه يدل على نفسه بذاته، بخلاف الكتب الأخرى فلا تدل على نفسها إلا بأمر زائد عليها، لأن نظمها ليس معجزا.
ويرجع الإعجاز في نظر القاضي الباقلاني إلى أمور ثلاثة:
1- إنباؤه عن الغيب.
2- أمية الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- بداعة النظم.
وترجع بداعة النظم إلى أمور:
أولا: مخالفته لما عهد العرب من أساليب السجع والشعر، وهذا ينفي عن القرآن هذه الأوصاف.
ثانيا: اشتماله على الفصاحة والبلاغة وعدم التفاوت في مستوى هذه الفصاحة في الآيات والسور، مما يؤكد سمو النظم القرآني وعظمة أسلوبه وتتضح هذه الظاهرة في مقارنة النص القرآني بالنصوص العربية التي كان العرب يفخرون بها في مجال الشعر والنثر، وبعد المقارنة يبرز القرآن في أسلوبه واضح الإعجاز متميز الخصائص رائع النظم مشرق العبارة بليغا في اختيار مفرداته.
ثالثا: بناء القرآن من الأحرف التي بني عليها كلام العرب وهذا من الإعجاز، فهذه الأحرف في فواتح السور دالة على معاني في الإعجاز، ولها آثار واضحة في الخطاب القرآني، وذات دلالات متعددة.
رابعا: ابتعاد القرآن عن الألفاظ الوحشية المستكرهة والغريبة المستنكرة، واستخدام الكلمات السهلة والعبارات الواضحة، وهذا من الإعجاز.
وأكد الباقلاني أن القرآن منزل بلسان العرب ولكنه نزل على وزن يفارق سائر أوزان كلامهم ولو كان من بعض ما ألفوه من نظم وشعر لعرفوا أن صاحبه قد برع فيه وتقدم، ولكنه جاء من غير جنس كلامهم، وليس يخرج الحذق في الصنعة إلا أن يؤتى بغير جنسها وما ليس منها وما لا يعرفه أهلها، وهذا الكلام يؤكده كلام الوليد بن المغيرة الذي قال لقومه: والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني والله ما يشبه الذي يقوله محمد شيئا من هذا.
وقال في ذلك:
نظم القرآن على تصرف وجوهه واختلاف مذاهبه خارج عن المعهود من جميع كلامهم ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به، ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد.
وذكر الطرق التي يتقيد بها الكلام البديع المنظوم والكلام الموزون غير المقفى والكلام المسجع وغير المسجع، وأكد أن القرآن خارج عن هذه الوجوه ومباين لهذه الطرق، وأن المتأمل إذا تأمله تبين له خروجه عن أصناف كلام العرب وأساليب خطابهم وأنه خارج عن العادة وأنه معجز، وهذه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن وتميز حاصل في جميعه.
ولا يتصور أن يكون لحكيم هذه الفصاحة والغرابة والتصريف البديع والنظم المحكم في كتاب طويل كالقرآن، وتنسب لبعض الحكماء كلمات وأمثال رائعة، ولبعض الشعراء قصائد متينة رفيعة من حيث النظم من وضوح التكلف في معظم ذلك، وجاء القرآن فصيحا في كل آياته عظيما في نظمه بديعا في تآليفه، وليس فيه تفاوت ولا تباين في مختلف الموضوعات في القصص والمواعظ والتشريع والوعيد والأخلاق.
قال الباقلاني:
ومتى تأملت شعر الشاعر البليغ رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال التي يتصرف فيها.. فيأتي بالغاية في البراعة في معنى، فإذا جاء إلى غيره قصر عنه، ووقف دونه، وبان الاختلاف على شعره.. وقد تأملنا نظم القرآن فوجدنا جميعا ما يتصرف فيه من الوجوه التي قدمنا ذكرها على حد واحد في حسن النظم وبديع التأليف والوصف.. لا تفاوت فيه ولا انحطاط عن المنزلة العليا ولا إسفاف فيه إلى الدرجة الدنيا.
وقال أيضا:
ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي أودعوها في الشعر لأنه ليس مما يخرق العادة، بل يمكن استدراكه بالعلم والتدريب والتصنع به، كقول الشعر ورصف الخطب وصناعة الرسالة والحذق في البلاغة، وله طريق تسلك، فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى ولا إمام يقتدى به ولا يصح وقوع مثله اتفاقا.
ورد الباقلاني على من قال بوجود السجع في القرآن بما يلي:
1- لو كان القرآن سجعا لكان غير خارج عن أساليب كلام العرب ولو كان داخلا فيها أو واحدا منها لم يقع بذلك إعجاز.
2- لو كان في القرآن سجع لجاز أن يقولوا هو سجع معجز ويتبع ذلك أن يقولوا شعر معجز.
3- إن السجع مما يألفه الكهان من العرب، والكهانة تنافي النبوات، وإذا كان القرآن قد نفى عن نفسه صفة الشعر فلابد أن تنتفى صفة السجع أيضا.
4- قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن كلموه في شأن آية الجنين كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهل، فمثل ذلك يطل، قال لهم: «أسجاعة كسجاعة الجاهلية؟».
5- أكد الوهم فيمن قال بسجع القرآن، وقد يكون الوهم على مثال السجع وإن لم يكن سجعا، وفي اللفظ يتبع المعنى اللفظ، بخلاف القرآن فاللفظ تابع للمعنى.
6- جاءت بعض الآيات على سبيل السجع ولم تأت مقصودة ومتكلفة.
7- لو كان الذي في القرآن سجعا لكان مذموما مرذولا لأن السجع إذا تفاوتت أوزانه واختلفت طرقه كان قبيحا من الكلام.
8- لو كان ما في القرآن سجعا لما تحير العرب فيه، ولكانت الطباع تدعو إلى معارضته لأن السجع غير ممتنع عليه.
9- من قال بالسجع لابد من القول بفكرة الصرفة التي قال بها (النظّام) وأمثاله الذين قالوا بأنه ليس في نظم القرآن وتأليفه إعجاز وإنما صرفوا عنه ضربا من الصرف.
10- من جوز السجع في القرآن فقد سلم بوقوع الخبط في طريقة النظم، ويكون قد استهان ببديع نظمه وعجيب تأليفه الذي وقع به التحدي.
وردّ بعض العلماء على ما ذهب إليه الباقلاني من مبالغة في نفي صفة السجع في القرآن، ولم يوافقوه فيما ذكره من حجج ليست مسلمة، وهي قابلة للنقاش، فالسجع ليس كله رذيلة وهو أمر تحكمه قواعد معروفة، ولو كان مذموما كله ما جاء في القرآن في بعض الآيات، وليس هناك ما يمنع القرآن من أن يستخدم السجع في بعض الأحيان من غير تكلف فيه لزيادة التأثير على السامع، وقال أبو الحسن القرطاجني: كيف يعاب السجع على الإطلاق وإنما أنزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب فوردت الفواصل بإزاء ورود الأسجاع.
والسجع المكروه والمذموم هو سجع الكهان، وهو سجع الجاهلية، والإسلام حارب الجاهلية وهدم قيمها الفاسدة، وقضى على ما ألفته من عادات ضارة، وسجع الكهان مما حاربه الإسلام ولكن السجع كأسلوب تعبيري ليس رذيلة، فإذا جاء من غير تكلف فهو من فصيح الكلام، وليس للسجع قاعدة ثابتة لا تتغير فإذا جاء السجع في بعض آيات القرآن فهو سجع محمود، ومن أساليب اللغة الفصيحة، ومن خصائص السجع القرآني أنه غير متكلف، وجميل التأليف وموسيقاه اللفظية مؤثرة ورائعة وليس له وزن واحد، وفاصلة ثابتة، فقد ينتقل من وزن إلى وزن مغاير، ومن فاصلة إلى أخرى، لتوضيح المعنى، ولإعطاء الإعجاز.
والسجع ليس هو أسلوب القرآن، فالقرآن لا يوصف بالسجع ولكن لا يمكن نفي السجع فيه، فالسجع موجود في القرآن، وهو من أساليب العرب، وجاء السجع في القرآن متميز الملامح مؤثرا، واستخدم القرآن أساليب أخرى لا توصف بالسجع، فالأسلوب يتغير بتغير المواقف والمقاصد، وهذا من الإعجاز، فالإعجاز هو اختيار الأسلوب الأفضل والأفصح والأجمل لتحقيق الهدف المنشود، من بيان حكم أو دعوة إلى إقناع أو تخويف أو ترغيب أو إيراد مثل أو إخبار عن أمم سابقة أو استنتاج عبرة.
والخلاف كما يبدو بين من يقول بوجود السجع في القرآن أو نفيه هو خلاف لفظي، وهو خلاف مصطلح، فإن شئت أن تسميه سجعا فهو كذلك، وهو سجع محمود وهو متميز لا تكلف فيه، وإن شئت أن تسميه تسمية جديدة فمن حقك أن تفعل ذلك، ومن حقك أن تطلق عليه كلمة السجع أو تنفيها عنه.

.الإعجاز عند القاضي عبد الجبار:

ويعتبر ما كتبه القاضي عبد الجبار امتدادا لما كتبه الباقلاني في الإعجاز، نظرا لأن القاضي عبد الجبار كان معاصرا للإمام الباقلاني، وكان مهتما بعلم الكلام، ويعتبر كتابه (المغني) من أبرز كتب علم الكلام، وجاء كتابه في الإعجاز في إطار دراساته الكلامية، وهو جزء من كتابه (المغني) ولهذا ظهرت آثار آرائه الكلامية في مجال دراسته للإعجاز.
ويبدو أنه لا يميل إلى اعتبار الإعجاز في أوجه البلاغة وإنما يتمثل الإعجاز في جزالة اللفظ وحسن المعنى، ولا عبرة بالقوالب والأشكال البلاغية، لأن المعول عليه في مجال الفصاحة هو مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فالصورة البلاغية إذا جاءت في موطنها مؤكدة جزالة الألفاظ مبينة جمال المعاني فهي من الإعجاز، وإذا لم تعبر عن هذه المعاني ولم تحقق هذه الغايات فقد تكون متكلفة سيئة الأثر، واستبعد القاضي عبد الجبار أن تكون الصرفة التي قال بها بعض علماء الكلام من أوجه الإعجاز، واعتبر العرب من أقدر الناس على معرفة ما يقع به التحدي، وقد تحداهم القرآن، وأدركوا معنى هذا التحدي، ولا يمكن لهذا التحدي أن يكون إلا في مجال الفصاحة والبيان.
وقد تعرض القاضي عبد الجبار لموضوع التحدي بالكلام وأكد أن الفصاحة في الكلام لا تظهر في اللفظة الواحدة والكلمة المفردة، وإنما تظهر عند ضم الكلمات إلى بعضها فيقع التناسب والتجانس، ويتحدد في هذا الإطار موقع اللفظة من حيث دورها في التعبير عن المراد، والكلمة ينظر إليها من زاويتين:
الأولى: نظرة في حال إفرادها، ونظرة أخرى في حال نظمها مع غيرها، ولابد من تحديد مفهوم الكلمة بذاتها من حيث وضعها عند أهل اللغة، ومفهومها في إطار موقعها في الجملة من حيث موقعها الإعرابي، ومفهومها حين تأخذ مكانا خاصا في الكلام، من حيث المعنى المستفاد منها...
والكلمة لا يمكن أن تفهم إلا في إطار موقعها العام في الكلام، والوظيفة التي تؤديها، فقد تفهم المعاني، وتتحد المفردات، ثم يقع التباين في مدى الفصاحة والبيان والإفهام والتأثير، وهنا نكتشف عظمة الدور الذي يؤديه اختيار الكلمة وموقعها، وهنا تبرز الفصاحة..
وهذا يؤكد اهتمام القاضي عبد الجبار بالنظم، والنظم كما أورده كالثياب المنسوجة تتفاضل بمواقع الغزل وكيفية تأليفه وتنسيقه، مع أن الغزل في حقيقته لا يتغير، والكلام يتفاضل أثره ويتباين معناه بحسب قوة المتكلم، وقدرته على اختيار مواقع الكلام من حيث التقديم والتأخير، وهذا يحتاج إلى قدرة ذاتية تعطي صاحبها فصاحة وقوة بيان، ولا يتم ذلك إلا بتأييد من الله وإلطاف ورعاية وتوفيق.
وهذا المنهج يقودنا إلى إقرار فكرة الإعجاز القرآني، من خلال توافق اللفظ والمعنى، وتكاملهما في أداء الدور المطلوب فيهما، فالتأليف هو الدور الأهم في فن الفصاحة، بحيث تكون اللفظة دالة على المعنى المراد، وتقع في الموقع المناسب لها، ولهذا عند ما يقع التحدي بالكلام فلابد من أن يكون تأليف هذا الكلام في أعلى درجات الترتيب والتنسيق وحسن التركيب بحيث يكون الكل في موقعه المناسب، من حيث اختيار الكلمة، واختيار موقعها في الجملة، لكي يؤدي هذا التركيب المحكم الغاية المطلوبة. ولهذا يتفاضل الفصيح من الكلام بتفاضل الكتّاب، مع أن الألفاظ واحدة، فالأقدر على التأليف هو الأفصح، ولا نهاية للفصاحة، ويقع الإعجاز فيما وقع التحدي به والعجز عن الإتيان بمثله.
والقاضي عبد الجبار يركز على أهمية الفصاحة في الإعجاز ولا يتصور الإعجاز إلا بالفصاحة، والفصاحة عنده لا تتوقف عند حدود النظم ولا علاقة لها بالشكل والقالب، من حيث كون الكلام شعرا أو نثرا مسجوعا، فالنظم عامل في الفصاحة له أثره الواضح ولكنه ليس العامل الوحيد، ولابد في الفصاحة من تكامل حسن المعنى وجزالة اللفظ، ومتى تحقق هذا الشرط في الكلام كان فصيحا، سواء كان شعرا أو نثرا، وكلما زادت معالم هذا التوافق في اللفظ والمعنى اتضحت الفصاحة وبرزت في الكلام.
ولعل القاضي عبد الجبار في تركيزه على معنى الفصاحة واعتبارها نتاج عاملين أساسيين، جزالة في اللفظ وحسن في المعنى، إنما يرد فيه على أبي بكر الباقلاني، الذي اعتبر الإعجاز متمثلا في مغايرة جنس الكلام لأساليب العرب وأجناس كلامهم، ولهذا اتجه اهتمام الباقلاني إلى نفي التجانس بين القرآن وكلام العرب، وشدد النكير على من قال بوجود السجع في القرآن، لأن السجع من جنس كلام العرب، والقرآن جاء مغايرا لأساليب العرب، فلا يستقيم أن يوصف أسلوب القرآن بالسجع ولو جاءت أوزانه مماثلة لأوزان السجع في الأسلوب العربي.
ويؤكد هذا الاختلاف بين كل من القاضي عبد الجبار وأبي بكر الباقلاني أن كلّا منهما ينظر للإعجاز من زاوية مغايرة لما ينظر منها الآخر، فالقاضي عبد الجبار لا ينظر للإعجاز من زاوية الخروج عن مألوف كلام العرب، ولهذا لم يحرص على نفي السجع في القرآن، فالأمر لا يعنيه سواء سمي سجعا أو غير سجع، وإنما يعنيه أولا إثبات الإعجاز عن طريق الفصاحة، وطريقها واضح وهو جزالة اللفظ وحسن المعنى، وهذا معيار لا نملك إلا أن نشيد بدقته، لأنه معيار موضوعي، يقيم أمر الإعجاز على معايير موضوعية لا تتصور الفصاحة إلا بها، وليس أدل على الإعجاز من تلاقي (لفظ) بلغ الذروة في الجزالة والقوة و (معنى) بلغ القمة في جودة المعنى ودقته وسلامته، وهنا تبرز تساؤلات حول أهمية المعايير البلاغية ويقف القاضي عبد الجبار أمام هذه المعايير وقفة موضوعية فلا يعتبرها من الإعجاز ما لم تتحقق الشروط الموضوعية المتمثلة في جزالة اللفظ وحسن المعنى، فالصورة البديعية ليست كافية وحدها لإثبات الإعجاز ما لم تكن معبرة عن المعايير الموضوعية للفصاحة.